إن الإطاحة بنظام دكتاتوري في سوريا، من قبل الشعب ليس مُجرد حدث وطني مهم، بل إنه حدث له عواقب تمتد عبر الشرق الأوسط، ولا سيما إيران، حيث كشف إنسحابها المفاجئ من سوريا، بعد دعم نظام بشار الأسد القمعي منذ إنتفاضة الشعب السوري، ضمن نطاق إنتفاضة الربيع العربي في عام 2011، عن ضعفها الاستراتيجي والعسكري.
لقد تم تصميم محور المقاومة الذي بنته إيران بشكل إنتهازي- و الذي يتألف من حماس في غزة، حزب الله في لبنان، نظام الأسد في سوريا، الجماعات المسلحة في العراق و الحوثيين في اليمن – لتزويد إيران بعمق إستراتيجي وردع الهجمات (المفترضة من قبل إسرائيل ضد ايران).
منذ نهاية العام الماضي (2023)، عانت هذه الشبكة المترامية من ضربات كبيرة بواسطة إسرائيل.
منذ الهجمات التي شنتها حركة حماس في غزة، في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، ضد الداخل الإسرائيلي، سعت الحكومة الإسرائيلية الحالية، في حيود عن الجهود السابقة، إلى إضعاف مجموعات المحور ضمن حدود إسرائيل، وقطع روابطها مع إيران.
لقد ألحقت الحرب في غزة، التي لا تزال جارية والتي أدت إلى أزمة إنسانية وأكثر من 45,000 قتيل فلسطيني (بحسب الإحصائيات)، أضرارًا بالغة بحركة حماس.
لقد ضعف حزب الله، الذي قررت قيادته دعم حركة حماس، و مهاجمة إسرائيل في الثامن من تشرين أول/ أكتوبر 2023، بشكل خطير بسبب الرد العسكري الإسرائيلي ضد حركة حماس.
قضت إسرائيل خلال حربها الجارية لحد الان، في غضون ثلاثة أشهر فقط، بدأ من أيلول/سبتمبر 2024، على هيكل قيادة حزب الله في لبنان، بما في ذلك قتل زعيمها (حسن نصر الله)، حيث كان الزعيم الأكثر فترة في قيادة الحزب.
في خضم هذه الخسائر، دعمت إيران وقف إطلاق النار اللبناني المُتفق عليه مع إسرائيل في تشرين الثاني 2024، بهدف السماح للحزب في لبنان بالتعافي.
مع ذلك، فإن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بسرعة كبيرة، يمثل انتكاسة واضحة أخرى لإيران، مما يبرز حدود إستراتيجية “وحدة الساحات” التي تهدف إلى تنسيق العمل من قبل عناصر المحور.
في حين لا يزال نشاط المحور مُستمراً، ويتحول بالتأكيد للتكيف مع الصدمات العسكرية الإسرائيلية، فإن إيران تُركت في وضع دفاعي مع تعرض ردعها (المفترض ضد اسرائيل) للخطر.
غالبًا ما يتم تقليص دور سوريا في المحور إلى جسر بري يسمح لإيران بتهريب البضائع ونقل المساعدات العسكرية إلى حزب الله، ومع ذلك، كانت العلاقة أعمق، وتعود إلى الثورة الإيرانية عام 1979.
كان والد بشار، حافظ الأسد، أول زعيم عربي يعترف بالحكومة الإسلامية في إيران، بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا پهلوي، حيث كانت سوريا كذلك الدولة الإقليمية الوحيدة التي دعمت إيران علنًا خلال حربها التي أستمرت ثماني سنوات مع العراق (التي أنتهت بقرار من مجلس الأمن الدولي في 1988).
ظلت الدولتان متحالفتين (إيران و سوريا) ضد إسرائيل ودعمتا نمو حزب الله في لبنان، و إستيلاء الحزب على الدولة اللبنانية.
كانت العلاقات فاترة (بين ايران وسوريا) بعد حرب الخليج عام 1990، حيث سعى بشار الأسد إلى توسيع تحالفاته الإقليمية، بما في ذلك الروابط الجديدة مع دول الخليج، وكان ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق، ومع ذلك، أستمرت الدولتان (ايران وسوريا) في تطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية التي تعمقت بشكل كبير خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
نتيجة لهذا التأريخ المُشترك، خلال الانتفاضة السورية عام 2011، هرعت إيران وحزب الله لإنقاذ شريكهما بشار الأسد، وتعزيز دوره داخل محور المقاومة (بالطبع مع روسيا في عام 2015، والتي تدخلت بطلب ايراني)
من تلك النقطة، أنشأت إيران وشركاؤها عبر العديد من الدول العربية شبكة عسكرية و إقتصادية مترابطة، وقد تعمقت هذه الشبكة من خلال حملة العقوبات الأمريكية “للضغط الأقصى”، لدونالد ترامب في رئاسته الأولى ( 2017-2021)، حيث طورت المجموعات روابط اقتصادية مترابطة.
على الرغم من تصورات القوة و وحدة الساحات ضد إسرائيل، إلا أن المحور كان دائمًا مبنيًا على أسس هشة.
من أجل تدريب وتجهيز مجموعات المحور، وسعت إيران القوة الشرسة للمجموعات التابعة لها على حساب السكان المحليين في الدول الضعيفة والمنقسمة، وكان عدم الاستقرار الذي تصدره إيران عبر المنطقة بمثابة ضعف للمحور نفسه.
في العراق ولبنان في عام 2019، تم قمع احتجاجات المجتمع المدني ضد وجود إيران في نهاية المطاف، وفي جميع أنحاء سوريا كذلك، أدينت إيران لدورها في حماية نظام دكتاتور وحشي (بشار الأسد) على حساب أكثر من نصف مليون شخص قتلوا على أيدي النظام.
لتجنب التصورات المتزايدة بالضعف والانتقادات الداخلية المتزايدة، رد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بأسلوبه المُعتاد، فبدلاً من تحمل المسؤولية عن خطأ إستراتيجي و إستثمار مكلف ضائع، ألقى باللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في الأحداث في سوريا.
علاوة على ذلك، أكد قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي أن محور المقاومة لا يزال صامدًا، بعد كل هذا!
في الوقت نفسه، حاولت رسائل النظام الإيراني إلقاء اللوم في الإنسحاب من سوريا على تعنت نظام بشار الأسد نفسه.
أشار بعض المطلعين إلى أن الإحباط الإيراني من بشار الأسد كان يتزايد على مدار العام الماضي، حيث كانت هناك اتهامات بأن بشار الأسد بدا متواطئا بهدوء في الضربات الإسرائيلية على الأصول الإيرانية في سوريا، وأنه لم يلعب دوره بشكل كافٍ في محور المقاومة.
بعد الحملات الإسرائيلية في غزة ولبنان، يوضح انسحاب إيران من سوريا أن محور المقاومة لم يوفر لإيران “دفاعا متقدما”، وتدرك إيران تمام الإدراك أن حملة إسرائيل ضد المحور لم تنته بعد.
بعد إعلان الحرب على سبع جبهات، لم تعالج الحكومة الإسرائيلية بعد بشكل صريح التهديدات من العراق أو اليمن أو بشكل أكثر مباشرة من إيران نفسها.
وقد عززت فترتان مباشرتان من التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل في الأشهر نيسان/أبريل 2024، تشرين أول/ أكتوبر 2024، من هذا العام التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي.
كما كشف عن نجاح إسرائيل في استهداف الدفاعات الجوية الإيرانية وكشفت اسرائيل عن إجراء أبحاث نووية نشطة في المجمع العسكري الإيراني في پارشين، مما كشف النقاب عن المزيد من الحقائق حول برنامج ايران النووي.
فيما يلي بعض النقاط الرئيسية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والعقبات التي يواجهها، استنادًا إلى المعلومات الأخيرة:
مستويات التخصيب والمخزونات: زادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من درجة الأسلحة، مما أثار مخاوف دولية، وفقًا للتقارير الأخيرة، فإن اليورانيوم الإيراني مُخصب بنسبة تصل إلى 60٪، وهي خطوة فنية قصيرة من 90٪ اللازمة للأسلحة النووية، ومع ذلك، هذا لا يعني أن إيران أكملت أو قررت تسليح قدراتها النووية.
الضغوط الدبلوماسية والعقوبات: أدى انهيار الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 إلى تجدد العقوبات، مما خلق ضغوطًا اقتصادية على إيران، و أعرب الثلاثي الأوروبي (المملكة المتحدة، فرنسا وألمانيا) عن مخاوفه بشأن التصعيد النووي الإيراني، مشيرًا إلى عدم وجود أساس مدني موثوق به لمخزونات اليورانيوم لديها، و يهدف هذا الضغط الدبلوماسي إلى إجبار إيران على العودة إلى المفاوضات أو الامتثال للمعايير الدولية.
التحديات العسكرية والتقنية: تواجه إيران تحديات تقنية كبيرة في تحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح نووي فعال، وهذا لا يشمل التخصيب فحسب، بل يشمل كذلك عملية التسليح، والتي تشمل تصميم واختبار سلاح نووي (قنبلة نووية)، وقد لاحظ مجتمع الاستخبارات الأمريكي أنه في حين تمتلك إيران القدرة على إنتاج المواد الانشطارية للأسلحة النووية بسرعة، فإن التسليح الفعلي قد يستغرق عدة أشهر أخرى.
المراقبة الدولية: تراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأنشطة النووية المعلنة لإيران، ولكن لاحظت قيود في الوصول والشفافية، خاصة بعد توقف إيران عن منح التأشيرات لبعض مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث يضيف هذا الافتقار إلى التعاون الكامل إلى حالة عدم اليقين والشكوك الدولية بشأن نوايا إيران النووية.
التوترات السياسية الأقليمية: يمكن أن تعمل الصراعات الإقليمية الجارية، بما في ذلك تلك مع إسرائيل، إما كرادع أو دافع لإيران للسعي نحو الأسلحة النووية بشكل أكثر عدوانية، حيث تُظهر المشاعر (الإيرانية) على منصات مثل X (تويتر سابقًا) قلقًا متزايدًا بشأن القدرة النووية المحتملة لإيران، والتي قد تؤثر على قرارات السياسة المحلية والدولية.
أمن البنية التحتية: المنشآت النووية الإيرانية هي أهداف للتخريب والهجمات الإلكترونية والضربات العسكرية المُحتملة، حيث كانت إسرائيل نشطة بشكل ملحوظ في هذا الصدد، حيث تشير التقارير إلى أن الضربات ألحقت أضرارًا بمرافق بحثية رئيسية، ويضيف هذا الضغط الخارجي طبقة أخرى من التعقيد إلى طموحات إيران النووية.
توضح هذه النقاط بعض العقبات والاعتبارات الأساسية المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني حتى أواخر عام 2024. ومع ذلك، فإن الوضع متقلب، مع تطور الجوانب الدبلوماسية والتقنية والعسكرية باستمرار.
(نقلا عن مقال تحليلي للدكتورة سنام فاكيل – مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية chathamhouse.org – كانون أول/ديسمبر – 2024، مع بعض المعلومات المزيدة للبرنامج النووي الإيراني مع أخر التحديثات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووسائل الاعلام والمعلومات الإستخبارية المنشورة للجمهور)






